26‏/01‏/2017

يناير حلم لن يموت



Image may contain: one or more people
الورد اللي فتح في جناين مصر

بالرغم من أنها أصبحت متهمة حتى كاد البعض يتنصل منها خوفا وطمعا، وبالرغم من أن الذكرى لا تزال تسكن قلوبنا والمرارة لا تزال تخنق حلوقنا، كلما تذكرنا تلك الأيام الخوالى قبل ستة أعوام، عندما لم يعد فى قوس الصبر منزع وأغلق نظام مبارك كل الأبواب، فأعد خطته لتوريث الحكم لنجله جمال، وإن أنكر ذلك مَن أنكر من دهاقنة السياسة والإعلام الذين تصاعدت جرأتهم على ثورة يناير شيئا فشيئا إلى حد تسميتها علنًا بـ25 خساير، فإن «يناير» ستبقى وثبة أحرار، ثوار قفزوا على الماضى بكل قبحه وامتلكوا شجاعة الإمساك باللحظة التى لم تدم طويلا. أعلم أن دولة مبارك كانت عميقة التأثير فى شرائح واسعة، وصنعت لها حضورا راسخا فى كل المؤسسات، وأن مبارك بعد ثلاثة عقود فى حكم مصر لا يزال يجد من يدافع عنه ويسعى لتبييض وجهه، بسبب سوء الأوضاع التى وصلنا إليها على الأقل، رغم خروجه مطرودا بثورة شعبية تم الالتفاف على مطالبها بترتيب تمثيلية التنحى، التى لم تكن سوى خطة جهنمية لإعادة انتشار قواعد نفس الدولة، التى لم تتغير عقيدتها أو منهجها أبدا، سواء على عهد مبارك أو المجلس العسكرى، الذى أدار خطة إعادة الانتشار التى قضت بالسماح للإخوان بأن يدخلوا قصر الحكم لعام واحد، فأسهم فشلهم وغباؤهم -مع خطة المؤسسات- فى إسقاطهم فى النهاية وإغلاق الباب تماما أمام أى عملية ديمقراطية صحيحة. يقتضى الإنصاف أن نقول إن كل تثوير يسبق التنوير هو مقامرة بمستقبل الأوطان، لذا عندما ثارت الكتلة الحرجة من أبناء هذا الشعب واحتضنت وثبتها الشجاعة الغالبية الراشدة من جماهير هذا الشعب، لم تستمر حالة الالتفاف والاحتضان طويلا، حيث تكفلت أدوات الدولة العميقة إلى جانب جناية الإخوان التى تمثلت فى أنانيتهم المفرطة، وظنهم أن الدولة المصرية أصبحت مهيأة لقبول مشروعهم السياسى الملتبس، مع خطة تضليل استراتيجى فاقت ما قامت به الدولة المصرية فى حرب أكتوبر، بما أدى إلى كفر الناس بفكرة الثورة. لم يتوقف عقل الدولة المصرية عن العمل لحظة من ليل أو نهار، بل بقى عقلها فى كامل حيويته، لذا مضت خطة الالتفاف بسلاسة ونجاح. كانت البداية هى إخراج أكبر قوة شعبية معارضة من معادلة الصراع، باستقطابها عبر التلويح لها بأنها هى المؤهلة لحكم مصر، ولا ينبغى أن تقبل باستمرار الحالة الثورية التى ستبدد فرص بقاء الدولة وبقاء مقدراتها، وبلع الإخوان الطعم على أمل النجاح فى خداع المجلس العسكرى الذى جسد عقل الدولة القديمة، وبدا تقاطع المصالح بين المجلس العسكرى والإخوان فى أهمية إنهاء الحالة الثورية، وبنعومة شديدة روّج من روّج لشعار الشرعية للبرلمان وليست للميدان، والتقط الإخوان الشعار وسوّقوه بهمة لافتة. كان شعار "الشرعية للبرلمان" عنوانا صحيحا لحركة إصلاحية تؤمن بقضم الدولة لقمة لقمة على مهل، تماشيًا مع النهج الإصلاحى الذى وسم الجماعة عبر تاريخها، فلم تكن جماعة الإخوان يوما حركة ثورية، بل ظلت دائما تراهن على إصلاح طويل ومتدرج وهو ما أمنته لها دولة مبارك وما توافقت فيه أيضا مع المجلس العسكرى انسجاما مع طبيعتها وأطماعها. كان شعار "الشرعية للميدان" عنوانا لأشرف وأطهر من أنجبت مصر، وإن تعلق بذيولهم من شابت سمعته أو همته أو نيته الشوائب، لكن الميدان طهر الجميع بماء الغمام وصنع لهم جميعا قبلة واحدة هى قبلة الوطن، الذى حاولوا أن يصنعوه على ما أرادته دماء شهداء «يناير» الذين لم يموتوا من أجل الإخوان أو من أجل دولة مبارك، بل ماتوا دفاعا عن دولة جديدة لم تكتب لها الولادة، برغم ضريبة الدم الزكى، التى دُفعت. وبرغم جسارة الحلم والتجربة فقد خسر الشعب المصرى يوم استسلم لخديعة الدولة القديمة والجماعة القديمة بالمضى فى الخيار الإصلاحى مرة ثانية، والذى لم يكن يعنى وقتها للدولة القديمة سوى فرصة التقاط الأنفاس وتنظيم الصفوف من جديد، لتجديد قدراتها فى القمع وتطويق أى مطالب بالتغيير، وتوالت موجات القمع التى لا تزال الدولة تظن أنها كافية لإجهاض الحلم الذى لم يمت، بل سكن الصدور والحنايا واختلط بدقات القلوب، حتى تماهى معها ليصبح علامة الحياة الوحيدة فى وطن أضحى كجثة هامدة يرقص حولها الذئاب. مصر الآن ليست مصر التى قامت لتغييرها ثورة يناير، ولا هى مصر التى أرادها كل حر ووطنى وشريف. لم نظفر بعد ستة أعوام من وثبة «يناير» الطموح إلا بدستور طموح ونظام ضعيف الرأى والتدبير، لم يَعِدْنا بشىء ولم نَعِدْه بشىء، فهو ابن سياق الالتفاف على مطالب الناس فى النهاية بإغراقهم فى دوامات قد تنسيهم الحرية مقابل العيش مرة أخرى. شاهد أيضا «25 يناير هي اللي جابت مصر لورا».. مشادة كلامية بين خبير أمني ومسئول بـ«تمرد» خالد يوسف: «إبراهيم عيسى كان أحد ملهمي ثوار 25 يناير و30 يونيو» بعد ستة أعوام من «يناير» أحوالنا الاقتصادية هى الأسوأ عبر تاريخنا، حيث نظامٌ اقتصادى مسخ بلا ملامح، فلا هو رأسمالى ولا هو اشتراكى. بعد ستة أعوام مصر بلا برلمان أو مجالس شعبية محلية أو مجتمع مدنى أو حياة سياسية. لدينا صوت واحد يوصينا ألا نسمع سواه هو صوت الرئيس. لدينا إعلام هو الأسوأ فى المنطقة، ضاق بكل صوت معارض وأصبح منطقه هو الردح على مدار الساعة. لدينا أزهر على رأسه شيخ مستنير يبدو ممزقا بين قناعاته ومؤسسة لا يملك قرارها. ووزير أوقاف موظف يجدد الخطاب الدينى بتوحيد الخطبة لخمس سنوات، ووزير ثقافة ظن البعض أنه سيخلص للثقافة، ففضل أن يخلص للوظيفة. عادت الوزارة لتكون -رغم صلاحيات كفلها الدستور لها- سكرتارية للرئيس، يعتذر عن النهوض بها عشرة رُشِّحوا لها حتى الآن، لأنهم فقط لا يودون أن يكونوا طراطير. عادت وسائل التواصل الاجتماعى من جديد لتكون ساحة للبوح والتنفيث لكن دون قواعد أو معايير أو لغة مقبولة، عَرَضًا لمرض التردى العام الذى أصاب كل شىء. إن مجرد استحضار العام الأول لـ«يناير» قبل الشيطنة والتآمر، كان يضعنا أمام ملامح أخرى لدولة أخرى، كان الناس يعودون ليلحقوا بمسيرتها نحو المجد، أما اليوم فالناس تتسابق على الخروج، ويغبطون من يجد دولة تحتضن حسراته ودموعه وذكريات «يناير» التى لم تغادره. أيها المتوهمون أو الفاسدون أو عبيد دولة مبارك أو دولة المماليك التى ثار الناس عليها، «يناير» لم تكن مؤامرة، «يناير» كانت حلما مشروعا توسل بالثورة بعدما سدت كل أبواب الإصلاح، وأنتم يا أهل الحكم واهمون حين تتصورون أن زيادة الأقفال ستحمى الباب من رياح قادمة، لا أظنها ستكون هادئة كنسيم «يناير» الذى أغلقتم دونه الأبواب، فتراكَم غضبًا على غضب ليتحول إلى رياح ستقتلع كل الظالمين، ولو بعد حين، فى ثورة لن تُبقى ولن تَذَر، وإن تعللتم بهدوء الأحوال، فكل عاصفة يسبقها سكون.
منقول
للكاتب احمد بان
الرابط
http://www.tahrirnews.com/Posts/share/642638

ليست هناك تعليقات:

شاهد مستقبل مصرعلي البنترست